الأحد، 13 يوليو 2014

يا دفتر الأرقام ما ثمني؟ - ما يشبه قصة قصيرة

(1)
في طريقهم لقضاء اﻹجازة الصيفية، في سيارتهم الخاصة، تجلس عائلة من خمسة أفراد، لا يتذكرون متى كانت آخر مرة تجمعوا فيها هكذا، تتجاذب العائلة أطراف الحديث، تسأل الأم زوجها عن تطورات عمله، ويخبرها عما سارت إليه شركته وعن آخر استعداداته لافتتاح فرعها الجديد في مدينة أخرى، وتخبره هي عن المشكلة المادية التي وقعت بها أختها وعن إقراضها مبلغا من المال، وكانت قد حدثته عن الجمعية الخيرية التي ترغب في إنشائها وعددت له أسماء العائلات الفقيرة التي تنوي كفالتها فور إنشاء الجمعية، فيوافقها على كلامها محركًا رأسه بالإيجاب.

(2)
يجلس في الخلف أبناؤهما الثلاثة، أكبرهم البالغ ست وعشرين سنة يخاطب أخته الصغرى عن الحياة الجامعية، التي أنهت امتحانات سنتها اﻷولى لتوّها، ويخبرها عما فعله كي يصل إلى تفوقه وعمله معيدًا في كليته، ثم يحدثها عن خططه لإكمال دراسته في الخارج، تستمع أخته لكلامه بأذن صاغية، تداعبها أحلام اليقظة فتتخيل نفسها وقد تفوقت في كليتها يشار إليها بالبنان، وقد جلست تبني أحلامها أمام عينيها متظاهرةً بالاستماع لأخيها، في هذه اللحظة يجلس أخوهما اﻷوسط بجانبهما غير آبه بأي حديث، هذه حالته دائمًا، قليل الكلام منعزل في انطوائيته، يقرأ كتابًا عن السياسة المصرية الأمريكية في العقود اﻷخيرة، تشرق فكرة في رأسه ليدونها في مفكرته، توقف عن القراءة مفكرًا في خيوط مقاله الذي يود كتابته فور عودته.

في هذه اﻷثناء كان اﻷب مستمعًا للراديو، يستمع للقرآن الكريم بصوت الشيخ المنشاوي، وقد سعد لما وجده يتلو سورة اﻹسراء التي يحفظها، حتى وصل إلى قوله "ولله غيب السماوات واﻷرض .."

(3)
كثيراً ما نحتاج للانعزال عن محيطنا البائس، شيء من التسلية قد لا يضر، من اﻹسكندرية إلى القاهرة، ذهب طالب الثانوية العامة خلال أيام امتحاناته مع أخيه اﻷكبر، الذي كان في طريقة لعمل مقابلة شخصية في فرع أحد الشركات الكبرى الذي سيُفتتح قريبًا، تتسم علاقة اﻷخوين بالعناد المتبادل، الذي يزول أحيانًا ليبوح كلّ منهما للآخر بكل ما في صدره، فهذه فطرة اﻷخوة.
يبدأ اﻷخ اﻷكبر بالحديث الذي اتسم بالطموح والتحفز، يشرح لأخيه طبيعة العمل الذي سيتقدم له، يخبره عن طموحه وأمله في القبول، حتى يتسنى له أن يتقدم لخطبة الفتاة التي أحبها منذ سنين.

كان أخوه مهتما بعض الشيء، سكت اﻷخ اﻷكبر ليبدأ الأصغر بالحديث، بدت في كلماته علامات اليأس والحزن، حدثه عن قلقه من آدائه في الامتحانات، وخوفه ألا يستطيع دخول الكلية التي أحبها، حتى كان من يأسه أن أخبره أنه تمنى في كثير من اﻷوقات أن يموت حتى لا يسير في ركب الحياة التي رآها بغيضة بالنسبة له، ثم جلس مطرقًا لثوانٍ، لاحظ أخوه إطراقَه، علم أنه يخفي شيئًا، فباغته سائلًا، "هل خاصمتك مرة أخرى؟"
ابتسم اﻷخ اﻷصغر في استسلام، ما إن رأى أخوه منه ذلك حتى بدأ يضحك بصوت مسموع، ثم عمّ الصمت.

(4)
في مقهًى بأحد الأحياء العريقة في مدينة ما، يجلس عجوز في الثمانين من عمره جلسته التي واظب عليها منذ سنين، طلب دخينته وقهوته وواصل جلوسه، يذكر أهل القرية أنه ما ترك هذه الجلسة منذ عشرين سنة، وكان يعاني من بعض اﻷمراض المزمنة التي لم تمنعه من مواصلة حياته كما يحب، جلس العجوز يطالع صفحات إحدى الجرائد، حتى وصل إلى خبر بإحدى الصفحات، (مصرع ستة أشخاص وإصابة طالب في حادث مروع بطريق 'القاهرة-اﻹسكندرية' الصحراوي)، تعلق نظره بالخبر هنيهة فقال "الله يرحمهم"، ثم ترك الجريدة وبدأ بشرب قهوته متأملًا المارين أمامه من أهل الحارة في صمت.

السبت، 12 يوليو 2014

مفتتح القصيدة - ما يشبه بداية للحكاية

(1)
من يعرفني يرى أني قليل اﻷفعال، دائم التفكير في كل خطوة أقوم بها، وهذا مما أخرني في نشر ما أكتب.
يبدو اﻷمر منطقيًا، لا أفعل شيئًا قبل أن أفكر فيه عدة مرات، لكن اﻷمر في الحقيقة يكون سخيفًا، لا تكاد تفعل شيئًا، تطيل التفكير في كل شيء، ولا تفعل إلا القليل، يخطر لك خاطر، تهم بكتابته فتنتهي منه، ثم تعود لتقرأه، فتشعر بكونه محض هراء، فتمسحه، هكذا هي الحياة دائمًا، تتعلق قيمة اﻷشياء بذاتها وظروفها أيضًا، الفرصة التي تضيعها اﻵن تعود إليها بعد قليل فتظنها غير ملائمة، وتصرف نظرك عنها، وهكذا تضيّع عمرك.

(2)
وهكذا بقليل من التأمل رأيت أنه لابد من بداية، حتى وإن كانت التجربة غير كاملة، بل حتى وإن فشلت، بمعنًى أوضح، ما الذي ستخسره إن كتبت ولم يقرأ لك غيرك؟، في المقابل ما الذي ستشعر به إذا وجدت الناس يشاركونك ما تكتب؟، هكذا فكرت، ربما سأكتب ليومين وأتوقف، ربما لا يسعفني العمر أصلًا، لكن تبقى الحقيقة أني حاولت مرةً على الأقل، فإن وجدت بصدرك ما تود قوله، فتكلم، ولا تصمت.
واكتب كي لا تكون وحيدًا.

(3)
الصورة بالأسفل تبدو معبرة.

(4)
حسنًا هكذا نبدأ بسم الله