الخميس، 7 أبريل 2016

لا تُتم العد - قصة قصيرة

"واحد، اثنان، ثلاثة.." يتوقف عن العد، "حسنًا، ليس بعد." يقولها وتشي ملامحه بنصف ابتسامة، يبتعد عن مكتبه بخطى بطيئة، لو قيست الأعمار بالهموم إذن لكان كل شيء على ما يرام، ولمشى بين الناس كالحكيم، يروي مآسيه فتصدقه تجاعيد هموم ارتسمت على وجهه، لكن -ولأن الحياة ليست بهذه الرحمة- ما إن يجاوز الباب حتى تتحول خطواته الهينة إلى خطى واثقة، وتتصلب ملامحه كأشد الناس دقة وانتباهًا، هكذا رأى أولئك الناس وهكذا ظن أن الأمر لا يعدو تصلب الملامح ذاك.

يمضي إلى نهاية الممر حيث مبرد المياه، يحاول تناول كوب من الماء قبل أن يكتشف أن خزانه فارغ، "لم يكن العطش مشكلة كبيرة على أي حال"، يتمتم ويضع الكوب مكانه، يمشي هائمًا على وجهه، حيث لا أحد، يلتفت نحو قطة تمشي بكسل متبختر في جانب الطريق، يتأمل حركتها، "ربما ليس في الدنيا دليل إلا هذه القطة" يفكر مبتسمًا، يخرج إلى سيارته التي نال بها من الحسد ما يكفي البشر أجمعين، يجلس أمام المقود، "لا أذكر آخر مرة كانت بها الأمور هكذا على ما يرام"، يمسك المقود بكلتا يديه، ينتبه كما لو تذكر شيئا، "واحد، اثنان، ثلاثة.." يتوقف عن العد، "هذا اليوم سيظل في الذاكرة شهورا".

يتحرك بالسيارة على مهل، تأتيه مكالمة من البيت، نعم ها قد فاته موعد الاحتفال بصغيره الذي أتم نجاحه في سنته الدراسية، يتغير لونه ويتجهم، "لكن لكل شيء ضريبة!" يفكر، "أنا لم أنس هؤلاء وأنا ألهو!" ينفعل ويضغط يديه، "لو لم أكن في هذه الحال لما وصل هو إلى أي شيء!" يقنع نفسه، يتوقف عن التفكير لثوانٍ، يصل إلى منزله، وقبل أن يخرج من السيارة يجلس لدقائق معدودة، يسند ظهره إلى الكرسي، ويردد "واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة".

تمت

_____

نشرت للمرة الأولى بالعدد الأول من مجلة "ظل" الإلكترونية، تجدها عبر هذا الرابط: http://bit.ly/1ZGQPCf